تسابق الزمن
هيلا لايزر بيجا
القيم: يئير براك
ولد عمل تُسابِقُ الزمن من ألم هذا الزمن. لكنه لا يبقى بصفته عملًا شخصيًا بل يمتد ليصير حيزًا جماعيًا حيث الزمن ليس مجرد فئة فلسفية بل أيضًا آلية قوة. يُقَدِم العمل حيزًا يذوب فيه الترتيب الزمني، ويُدعى فيه المشاهد لاختبار الحاضر ليس كنقطة ثابتة إنما كمساحة منزلقة، مساحة من التأخير والإبطاء وربما حتى المقاومة.
في عمل الفيديو المركزي، تظهر شخصية هامشية لرجل شبه عارٍ يقوم بحركات متكررة تحت شمس حارقة في حقل بور مديني محروق. يُوَظَف عمل الفيديو كموقع نقدي: فهو يكشف عن الجسد باعتباره مركزًا يلتقي فيه الزمن بالسياسي. لا تؤدي الشخصية دور البطل بل هي "شهادة حية" على حالة دفعها النظام الاجتماعي إلى الخارج. تجسد الفنانة بذلك ما وصفه جورجو أغامبين ب-"الحياة العارية" (Agamben, Homo Sacer, 1995)- حياة اعترفت بها السياسة فقط بالمعنى البيولوجي، حياة مجردة من الحقوق باستثناء حق البقاء.
إلى جانبه، يُعرَض عمل فيديو صغير يظهر فيه بالون هيليوم على شكل سمكة حمراء، وهو عالق في قمة شجرة- بين السماء والأرض، بحيث يجسّد ازدواجية الحاضر: فهو يُصِرّ على عدم السقوط ولكنه أيضاً ليس حرًا ليطير. أصوات الخلفية، لأطفال يلعبون (حيث يُسمع بين الحين والآخر صراخٌ نافذ) تُضفي على المشهد الطبيعي قشعريرة. الزمن هنا هو آلية للاحتواء والإقصاء في آن واحد- تجسيد بصري لما أسماه جيل ديلوز "صورة-زمن" (Deleuze, Cinema 2 The Time-Image, 1985). خلافًا ل-"صورة الحركة" التي ميّزت الأفلام قبل ذلك، تركّز "صورة-زمن" على الحركة الخفية، تمويه وجهات النظر، واستقلالية الكاميرا، والتي تعبّر عن واقع معقّد، ما بعد حداثي، يمتزج فيه الماضي والحاضر والمستقبل لخلق تعددية من الاحتمالات الزمانية، على غرار صورة متاهة.
الغرض النحتي غير واضح المعالم، الذي يشكل ما يشبه "البيت" لصورة البالون التي تذكر بساعات دالي الذائبة، يوظف كمحاكاة ساخرة للزمن الرأسمالي- الزمن الصناعي الذي تمت خصخصته وأُعيد توجيهه لتحقيق الإنتاجية. الزمن هنا يسيل، يهرب، يرفض الطاعة. المنحوتات الثلاث، المصنوعة من الفولاذ الصدأ، تتواجد في النطاق بين الرسم والنحت- هي بمثابة محور خطي لتاريخ عنيف لكنه مجرد. مجموعة متراكمة من رسومات الأثر التي لا توثق بقدر ما تستحضر ندبات التاريخ، الصدمة الجماعية التي نُقشت في المعدن، في الفولاذ، في الذاكرة، في الجسد.
منحوتة صغيرة على شكل جذع الدماغ، مطبوعة بمادة بوليمرية بحجمها الطبيعي، تشير في الأصل إلى قصة طبية عائلية، لكنها تطرح أيضاً بُعداً استبطانيًا: فهي تذكّر بأن الزمن ليس فقط سياسيًا واجتماعيًا، بل هو أيضًا عصبي، فيزيولوجي- وأن آليات السيطرة تعمل أيضًا عبر الوعي، عبر فلترة التجربة والطريقة التي نختبر فيها التسلسل.
تُسابِق الزمن هو إذًا معرض شخصي ظاهريًا لكنه سياسي بالمعنى الأوسع: هو يكشف كيف يتحول الزمن نفسه إلى ساحة صراع- بين الظهور والاختفاء، بين التاريخ والذاكرة، بين الحياة الموثقة والحياة غير المرئية. هو لا يطلب من المشاهد أن يختبر الزمن فقط، بل أن يسأل أيضًا من يحدد إيقاعه، من يبقى في الخلف، ومن ينجح في البقاء في هذا السباق.
