أريد أن أكون هناك
روعي كوهين
القيم: يئير براك
هنا، في مكان آخر
يئير براك عن أريد أن أكون هناك لروعي كوهين
"الوجود-هناك" (Dasein) هو مصطلح وضعه الفيلسوف مارتن هايدغر ليشير إلى الوجود الأساسي للإنسان – وجود يتواجد دائمًا داخل العالم، مرتبط به، يقيم فيه، ويفهم نفسه من خلاله. خلافًا للأشياء أو الأجهزة التي يكون التعامل معها نفعياً أو خارجياً، فإن الإنسان يتواجد ضمن سياقات من المعنى، والانتماء، والاهتمام.
في منتصف القرن التاسع عشر، أُرسل المصور البريطاني الشهير روجر فنتون لتوثيق الحرب في شبه جزيرة القرم. وبعد أسابيع من التصوير، عاد فنتون بعدد كبير ومتنوع من الصور، لكن شيئاً واحداً كان غائباً عنها: الحرب.
بعد السابع من أكتوبر 2023، وبسبب الخوف الفوري من اشتعال الجبهة الشمالية والحدود مع لبنان، تم إخلاء عشرات البلدات القريبة من الحدود اللبنانية من سكانها، وتحولت هذه لعدة أشهر إلى مناطق أشباح. كان من المفترض أن تنتهي خطة الإخلاء، التي شملت 61,800 شخص من 43 بلدة، في صيف 2024، إلا أن العديد من السكان لم يعودوا إلى بيوتهم حتى اليوم.*
إحدى أكبر البلدات التي تم إخلاؤها كانت المجلس المحلي شلومي. روعي كوهين، الذي يتمحور عمله في التصوير الفوتوغرافي لكنه يمتد إلى النحت، الفيديو والصوت – أراد "أن يكون هناك"، أراد أن يجد بيتاً. قاده هذا النداء ومشى وراء الصوت ليجد نفسه في علاقة متواصلة مع البلدة التي تم إخلائها. على مدار عدة أشهر، خرج من حيفا، حيث يسكن، إلى الشوارع الصامتة، وهناك التقى بمن بقوا – النواة الصلبة من السكان الذين أصروا على البقاء، حماية البلدة، ري الحدائق، رعاية بيوتهم، قطط الشوارع، والحفاظ على الحياة التي عرفوها.
"حدود الشمال هي منظر طفولتي. بلدة شلومي لم تكن وجهة، بل مكاناً نمرّ عبره، ونحن نحمل ملحق بطاقة هوية مزيف لأحد الكيبوتسات في المنطقة، للدخول مجاناً إلى شاطئ 'بنانا بيتش'. في مرحلة مبكرة من الحرب، خرجت من حيفا الهادئة (في تلك اللحظة الزمنية)، حيث أطلت الحرب من خلال قنوات الأخبار – إلى رحلات لتوزيع المساعدات الغذائية والأدوية على طول الحدود. كما كان الحال لدى كثيرين غيري، كانت هذه وسيلة للهروب من المواجهة الوجودية – لأشعر أنني ضروري وأساعد بما أستطيع. صادفت أول حاجز طرق عندما مررت بالصدفة من المفترق المؤدي إلى شلومي".
الموقف الأولي لكوهن، وبشكل طبيعي، كان أشبه بنقطة نظر إثنوغرافية. حيث وصل كوهن إلى شلومي وبدأ بإجراء محادثات مع السكان. سجّل هذه المحادثات، وحاول تكوين صورة شاملة من المقتطفات. استمرت اللقاءات، وتشكلت مسارات العمل من داخل العلاقات ونسبة لها. إحدى الشخصيات البارزة في المشروع هو آفي رفيفو. التقى كوهن برافيفو صدفةً، عندما كان يجمع الليمون من شجرة مثمرة في أحد ميادين البلدة، لكي يوزعها على المعارف، السكان الذين تم اخلائهم، والجنود الذين يخدمون على طول الحدود. أصرّ رفيفو على قطف الليمون قبل أن يسقط على الأرض ويتعفّن. وفي فعل مكمّل، جمع كوهن والفنان شاحر سيڤان الثمار التي كانت قد سقطت على الأرض وبدأت بالتعفّن، وقاما بإحراقها كوسيلة لتخليد حالتها. في مرحلة لاحقة، رافق كوهن رفيفو في إحدى جولات ريّ الحدائق التي بادر إليها خلال فترة الحرب. شخصية بارزة أخرى في المشروع هي يوڤال زيف دانينو. كانت يوڤال طالبة كوهن في ورشة تصوير قدمها لمجموعة من السكان الذين تم إخلائهم. وكما في حالة رفيفو، أصبحت هي الأخرى شريكة في العمل عندما عادت إلى شلومي كعاملة حيوية في مرحلة مبكرة من الحرب. واصلت دانينو مع كوهن الممارسة العملية للغة الفوتوغرافية في أنحاء شلومي، وفي لقاءات مع فرقة الطوارئ المحلية.
في أراضي بلدة شلومي، أُجريت على مرّ السنين عدّة حفريات، كشفت عن ماضيها كمزرعة زراعية بيزنطية على الطريق القديمة المؤدية إلى مدينة صور. إلى جانب الليمون الموضوع في نموذج لبنية تحتية، نجد في المعرض أيضًا أداة قياس قديمة – وهي نسخة طبق الأصل عن كشف أثري نادر عُثر عليه في شلومي في سنوات السبعينيات- بطول خمس أذرع استُخدمت لقياس الأراضي لأغراض ضريبية. العصا المتواجدة في أرشيف سلطة الآثار خضعت لمسح ثلاثي الأبعاد وأُعيد بناؤها. من خلال اللغة النحتية، يقدم كوهين نظرة مزدوجة: من جهة، بحث أثري حول شلومي، ومن جهة أخرى، 'infra-archaeology' لبنية تحتية لا تزال قيد التشكل.
على غرار مجموعة الأعمال التي أنجزها فنتون – فإن معرض روعي كوهين لا يُحضر الحرب بشكل تصويري أو واضح، بل يتناول أصداء الحرب، والبعد الإنساني الحاضر أثناءها، يتناول حالة واحدة، لحياة ترفض الخضوع للقدر، ولأناس يُحوّلون المكان إلى بيت.
*حتى شهر تموز 2025، 90 بالمئة من سكان شلومي عادوا إلى بيوتهم.
شكري الجزيل لآفي مالكا، فرقة الطوارئ وقسم الصيانة في المجلس المحلي شلومي على التعاون، الإنفتاح واللطف. شكر خاص أيضًا لعُمّال Shisha House، على التوفير الدائم لقهوة الإسبريسو، الوجبات الخفيفة، والمساحة التي أتاحوها للقاءات عفوية ومؤثرة. خالص الامتنان أيضًا لفريق مخازن كنوز الدولة على إتاحة الاطلاع على توثيق الكشوفات الأثرية. تصنيع أداة القياس- الحداد يوڤال تيلم.