المتغير الثابت
توفا الداد
القيم: يئير براك
"من يعرف الثابت يكون منفتح الذهن
يكون منفتح الذهن فيكون متسامياً
يكون متسامياً فيكون ملكاً
يكون ملكاً فيكون كالسماء
يكون كالسماء فيكون في الداو"
لاو تسي، من كتاب الداو
في مركز معرض المتغير الثابت، تُعرض لوحات بألوان صارخة، غنية ومفصَّلة، أعدت بألوان اكريليك على ورق شفاف- وهو سطح يسمح بإلقاء نظرة متزامنة على العالم المرئي والعالم المُضمر.
تستقي الصور الظاهرة في الأعمال الإلهام من مجموعة واسعة من المصادر: أقنعة طقسية ومنحوتات بدائية، موتيفات أثرية ومعمارية، إلى جانب عناصر من الطبيعة الحية والنباتات. بعضها تستحضر مكتشفات تكشف عن شظايا من الماضي، واحدة تلو الأخرى، وبعضها تترابط في الذهن مع طقوس منسية وثقافات عابرة للقارات. هكذا تتشكل لغة بصرية متعددة الأصوات- "بوليفونية من التصورات"- تلتقي فيها ثقافات من الصين القديمة، وأمريكا ما قبل كولومبوس، والشرق الأوسط الكلاسيكي، وأفريقيا التقليدية على نفس السطح الشفاف.
لا تتعامل الفنانة مع تأثيراتها كعلامات تاريخية فقط، بل أيضًا كنقطة انطلاق لحوار شخصي مع الحاضر. الألوان الصارخة تلقي بالمشاهد بين طبقات من الذاكرة والخيال والمعرفة التاريخية، وتسمح بإلقاء نظرة على عالم لا يوجد فيه خط واضح بين ما كان، وما هو موجود، وما سيأتي.
عنوان المعرض، المتغير الثابت، يشير إلى التوتر بين الديناميكي والثابت- بين الحاجة البشرية للتمسك بهوية ثابتة وبين الإدراك بأن العالم يتواجد في حركة دائمة. اللوحات هي بمثابة نوافذ تطل على حيز يتشابك فيه التاريخ والأسطورة والحاضر، وتدعو المشاهد إلى إعادة اكتشاف الروابط الخفية بين الثقافات والطبيعة والزمن.
تعمل الفنانة بطبقات من الألوان على الورق الشفاف، تكشف وتخبئ بالتناوب، وتخلق نسيجاً يذكرنا بالعملية الأثرية: كل طبقة هي غطاء وكشف في آن واحد، وكل ضربة للفرشاة هي حركة تنقيب وبحث. شفافية الورق تتيح للصور أن تتداخل ببعضها البعض، مثل طبقات التربة عند التنقيب، مما يدعو المشاهد إلى تتبع التسلسل الزمني بنفسه. على الأوراق الشفافة الرقيقة، التي تكاد تتنفس، يمتد بساط ملون صاخب- طبقة فوق الأخرى، مثل التربة التي تُحفر فتكشف عن خفاياها. يسكب الأكريليك وينقطع، يغطي ويكشف، ويرسم عالماً يتحول فيه العمل الفني إلى فعل تنقيب. كل ضربة للفرشاة هي اكتشاف، وكل طبقة هي أيضاً غطاء. تشتعل الألوان الملتهبة وتضيء الشظايا، تدعو المشاهد إلى السير ببطء داخل النسيج، إلى جمع العلامات وصياغة رواية شخصية أو جماعية منها.