ليبيتو
طوفا بيساح
القيم: دانييل تسدكا كوهين
يتأمل معرض توفا بيساح "ليبيتور" شبكة العلاقة المركبة والحميمية بين البشر والقطط، وخاصة اللقاء اليومي للفنانة مع قطط حيّ حديقة هَيوفال في حولون. عشرات من ألواح الاكريليك الشفافة التي تحمل رسومات لقطط، غربان وصقور رُسِمَت بقلم جِل كروي. على حائط الجاليريا يُعرَض عمل فيديو يُظهر الطقوس الصباحية التي تجري في الحديقة. يقترح المعرض قراءة مغايرة لمفاهيم الطبيعة، الثقافة، الأنوثة والرحمة؛ سيرورة تنغمس فيها الفنانة نفسها يالصلة الحيوانية، إلى أن تصبح بمثابة "زعيمة قطيع" في هرمية جديدة من القُرب.
ينتشر العمل التركيبي في فضاء الجاليريا كأنه حديقة ـ متاهة. قطط بأفواه مفتوحة ـ تشير تعابيرها إلى جوع، عطش، مُواء ونقص ـ تتحوّل إلى مجموعة من الشهداء الحضريّين. في المركز، يُعرض عمل الفيديو "مادنس" الذي يُظهر لقطات مقرَّبة لجسد قط يتنفس؛ يتحول نَفَس القط في لحظات معيّنة إلى مويجات مائية ـ بحيرة متخيَّلة أو بساط ممدود في قلب الحديقة اليوتوبية التي تخلقها بيساح.
يُقَدِم المعرض نسيجًا من الخطاب النسوي النقدي وقضايا التمييز العمري (Ageism) والأنوثة في سن متقدمة. تلفت بيساح النظر إلى الصورة النمطية لـ-"سيّدة القطط المجنونة" وتقوم بإستملاكها كصيغة للتحرر. تطوّر الفنانة لغة ثالثة وتكسر التمييز بين الإنسان والحيوان، وتُقوِّض التراتبيات الثقافية السائدة، بما في ذلك تلك المتعلّقة بالجماليات وبعلاقات القوة بين الأجناس. وهي تقترح نموذجاً نسائيًا ينم عن إيقاع داخلي وتعاطف بين الأجناس، ونظرة مليئة بالرحمة والتعاطف تجاه الحيوان، ومن خلاله تجاه ذاتها هي أيضًا. من خلال الصورة النمطية للمرأة المنعزلة التي تعيش بجوار القطط، تُقوِّض الفنانة الوصمات وتموضع العلاقة مع الحيوان كمركز قوة نسائية.
تقترح الأستاذة شارون كارول-ديفيس، طبيبة بيطرية من جامعة جورجيا، في مقالتها "فهم القطط" (Social organization in the cat: A modern understanding) تصوراً جديداً للقط ككائن اجتماعي يعيش في مجموعات ذات بنية داخلية. وبهذا تتحدى كارول-ديفيس الصورة الشائعة للقط ككائن منعزل ولا-اجتماعي. وهي ترى بأن الإدراك الإنساني لمفهوم "اجتماعي" يستند إلى أنماط سلوكية لأجناس أخرى (البشر والكلاب)، وهو غير ملائم لفهم عالم القطط. من منظورها، يطوّر القط لغة خاصة مع الإنسان الذي يقف أمامه؛ منظومة من الإشارات المحددة والحميمية والتي تقوم على العلاقات الحية، لا على شيفرة كونية عامة.
يحصل هذا الإدراك على تجسيد بصري وشعري في المعرض. إن اختيار القط، بصفته كائن يعيش على الحدّ، يحمل معه شحنة رمزية عميقة؛ ففي مصر القديمة كان القط مقدساً واعتبر تجسيدًا للإلهة باستِت (Bastet)، إلهة الخصوبة والحماية. في الثقافة اليابانية يُعتبر القط رمزاً للحظ الجيد، لكنه قادر أيضاً على تغيير شكله. أما في أوروبا العصور الوسطى فقد ارتبط القط، وخاصة القطة السوداء، بشخصية الساحرة، المشبوهة، التي اعتبرت أحياناً رسولة الشيطان. تتأرجح التصورات المتعلقة بالقط بين كونه حيواناً منزلياً أليفاً وبين كونه كائنًا متوحشًا عصيّ على الترويض.
يُبَيِن المعرض الطريقة التي تبتكر فيها الفنانة منظومة علاقات جديدة غير إنسانية، وتتحدى من خلالها التصنيفات الثنائية: النظام مقابل الوحشية، الحديقة مقابل الغابة، الثقافة مقابل الطبيعة- والمرأة مقابل الحيوان.
